وكالة أنباء الحوزة - أنشد همّام بن غالب بن صعصعة، المكنّى بأبي فراس، والملقّب بالفرزدق قصيدة رائعة بحق الإمام علي بن الحسين بن علي ابن ابي طالب (عليهم السلام) أمام الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك.
وفيما يلي قصة القصيدة الشعرية:
- مناقب ابن شهرآشوب: الحلية والأغاني وغيرهما: حج هشام بن عبد الملك فلم يقدر على الاستلام من الزحام، فنصب له منبر فجلس عليه وأطاف به أهل الشام فبينما هو كذلك إذ أقبل علي بن الحسين وعليه إزار ورداء، من أحسن الناس وجها وأطيبهم رائحة، بين عينيه سجادة كأنها ركبة عنز، فجعل يطوف فإذا بلغ إلى موضع الحجر تنحى الناس حتى يستلمه هيبة له، فقال شامي: من هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال: لا أعرفه، لئلا يرغب فيه أهل الشام فقال الفرزدق وكان حاضرا: لكني أنا أعرفه، فقال الشامي: من هو يا أبا فراس؟ فأنشأ قصيدة ذكر بعضها في الأغاني، والحلية، والحماسة، والقصيدة بتمامها هذه:
يَا سَائِلِي أَيْنَ حَلَّ الجُودُ وَالكَرَمُ ** عِندِي بَيَانٌ إِذَا طَلَّابُهُ قَدِمُوا
هَذَا الَّذِي تَعرِفُ البَطحَاءُ وَطْأَتَهُ ** وَالبَيتُ يَعرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ
هَذَا ابنُ خَيرِ عِبَادِ اللهِ كُلِّهِمُ ** هَذَا التَّقِيُّ النَّقِيُّ الطَّاهِرُ العَلَمُ
هَذَا الَّذِي أَحْمَدُ المُختَارُ وَالِدُهُ ** صَلَّى عَلَيهِ إِلَهُي مَا جَرَى القَلَمُ
لَو يَعلَمُ الرُّكنُ مَن قَدْ جَاءَ يُلثِمُهُ ** لَخَرَّ يُلثِمُ مِنهُ مَا وَطِئَ القَدَمُ
هَذَا عَلِيٌّ رَسُولُ اللهِ وَالِدُهُ ** أَمْسَتْ بِنُورِ هُدَاهُ تَهتَدِي الأُمَمُ
هَذَا الَّذِي عَمُّهُ الطَّيَّارُ جَعفَرٌ ** وَالمَقتُولُ حَمزَةٌ لَيثُ حِربِهِ القِسَمُ
هَذَا ابنُ سَيِّدَةِ النِّسوَانِ فَاطِمَةٍ ** وَابنُ الوَصِيِّ الَّذِي فِي سَيفِهِ نِقَمُ
إِذَا رَأَتهُ قُرَيشٌ قَالَ قَائِلُهَا ** إِلَى مَكَارِمِ هَذَا يَنتَهِي الكَرَمُ
يَكَادُ يَمسِكُهُ عِرفَانُ رَاحَتِهِ ** رُكنُ الحَطِيمِ إِذَا مَا جَاءَ يَستَلِمُ
وَلَيسَ قَولُكَ: مَن هَذَا؟ بِضَائِرِهِ ** العَربُ تَعرِفُ مَن أَنكَرتَ وَالعَجَمُ
يُنمَى إِلَى ذِرْوَةِ العِزِّ الَّتِي قَصُرَتْ ** عَن نَيلِهَا عَرَبُ الإسلَامِ وَالعَجَمُ
يُغضِي حَيَاءً وَيُغضَى مِن مَهَابَتِهِ ** فَمَا يُكَلَّمُ إِلَّا حِينَ يَبتَسِمُ
يَنجَابُ نُورُ الدُّجَى عَن نُورِ غُرَّتِهِ ** كَالشَّمسِ يَنكَشِفُ عَن إشرَاقِهَا الظُّلَمُ
بِكَفِّهِ خَيزُرَانٌ رِيحُهُ عَبِقٌ ** مِن كَفِّ أَروَعَ فِي عِرنِينِهِ شَمَمُ
مَا قَالَ: "لَا" قَطُّ إِلَّا فِي تَشَهُّدِهِ ** لَولَا التَّشَهُّدُ كَانَت لَاؤُهُ نَعَمُ
مُشتَقَّةٌ مِن رَسُولِ اللهِ نَبعَتُهُ ** طَابَت عَوَانِصُهُ وَالخِيمُ وَالشِّيَمُ
حَمَّالُ أَثقَالِ أَقوَامٍ إِذَا افتَدَحُوا ** حُلْوُ الشَّمَائِلِ تَحلُو عِندَهُ نَعَمُ
إِن قَالَ قَالَ بِمَا يَهوِي جَمِيعُهُم ** وَإِن تَكَلَّمَ يَوماً زَانَهُ الكَلَمُ
هَذَا ابنُ فَاطِمَةٍ إِن كُنتَ جَاهِلَهُ ** بِجَدِّهِ أَنبِيَاءُ اللهِ قَد خُتِمُوا
اللهُ فَضَّلَهُ قِدماً وَشَرَّفَهُ ** جَرَى بِذَاكَ لَهُ فِي لَوحِهِ القَلَمُ
مِن جَدِّهِ دَانَ فَضلُ الأَنبِيَاءِ لَهُ ** وَفَضلُ أُمَّتِهِ دَانَت لَهَا الأُمَمُ
عَمَّ البَرِيَّةَ بِالإحسَانِ وَانقَشَعَت ** عَنهَا العَمَايَةُ وَالإملَاقُ وَالظُّلَمُ
كِلتَا يَدَيهِ غِيَاثٌ عَمَّ نَفعُهُمَا ** يُستَوكَفَانِ وَلَا يَعرُوهُمَا عَدَمُ
سَهلُ الخَلِيقَةِ لَا تُخشَى بَوَادِرُهُ ** يُزَيِّنُهُ خَصلَتَانِ: الحِلمُ وَالكَرَمُ
لَا يُخلِفُ الوَعدَ مَيمُوناً نَقِيبَتُهُ ** رَحْبُ الفِنَاءِ أَرِيبٌ حِينَ يَعتَرِمُ
مِن مَعشَرٍ حُبُّهُم دِينٌ وَبُغضُهُم ** كُفرٌ وَقُربُهُم مَنجَىً وَمُعتَصَمُ
يُستَدفَعُ السُّوءُ وَالبَلوَى بِحُبِّهِم ** وَيُستَزَادُ بِهِ الإحسَانُ وَالنِّعَمُ
مُقَدَّمٌ بَعدَ ذِكرِ اللهِ ذِكرُهُم ** فِي كُلِّ فَرضٍ وَمَختُومٌ بِهِ الكَلَمُ
إِن عُدَّ أَهلُ التُّقَى كَانُوا أَئِمَّتَهُم ** أَو قِيلَ مَن خَيرُ أَهلِ الأَرضِ؟ قِيلَ هُم
لَا يَستَطِيعُ جَوَادٌ بَعدَ غَايَتِهِم ** وَلَا يُدَانِيهِم قَومٌ وَإِن كَرُمُوا
هُمُ الغُيُوثُ إِذَا مَا أَزمَةٌ أَزَمَت ** وَالأُسدُ أُسدُ الشَّرَى وَالبَأسُ مُحتَدِمُ
يَأبَى لَهُم أَن يَحِلَّ الذَّمُّ سَاحَتَهُم ** خِيمٌ كَرِيمٌ وَأَيادٍ بِالنَّدَى هُضُمُ
لَا يَقبِضُ العُسرُ بَسطاً مِن أَكُفِّهِم ** سِيَّانِ ذَلِكَ إِن أَثرَوا وَإِن عَدِمُو
أَيُّ القَبَائِلِ لَيسَت فِي رِقَابِهِم ** لِأَوَّلِيَّةِ هَذَا أَوَّلُهُ نَعَمُ
مَن يَعرِفِ اللهَ يَعرِف أَوَّلِيَّةَ ذَا ** فَالدِّينُ مِن بَيتِ هَذَا نَالَهُ الأُمَمُ
بُيُوتُهُم فِي قُرَيشٍ يُستَضَاءُ بِهَا ** فِي النَّائِبَاتِ وَعِندَ الحُكمِ إِن حَكَمُوا
فَجَدُّهُ مِن قُرَيشٍ فِي أُرُومَتِهَا ** مُحَمَّدٌ وَعَلِيٌّ بَعدَهُ عَلَمُ
بَدرٌ لَهُ شَاهِدٌ وَالشِّعبُ مِن أُحُدٍ ** وَالجَندَقَانِ وَيَومُ الفَتحِ قَد عَلِمُوا
وَخَيبَرٌ وَحُنَينٌ يَشهَدَانِ لَهُ ** وَفِي قُرَيظَةَ يَومٌ صَيْلَمٌ قَتَمُ
مَوَاطِنٌ قَد عَلَت فِي كُلِّ نَائِبَةٍ ** عَلَى الصَّحَابَةِ لَم أَكتُم كَمَا كَتَمُوا
فغضب هشام ومنع جائزته وقال: ألا قلت فينا مثلها؟ قال: هات جدّا كجده وأبا كأبيه وامّا كأمّه حتى أقول فيكم مثلها، فحبسوه بعسفان بين مكة والمدينة فبلغ ذلك علي بن الحسين فبعث إليه باثني عشر ألف درهم وقال : اعذرنا يا أبا فراس، فلو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناك به، فردها وقال: يا ابن رسول الله ما قلت الذي قلت إلا غضبا لله ولرسوله، وما كنت لأرزأ عليه شيئا، فردها إليه وقال: بحقي عليك لما قبلتها فقد رأى الله مكانك وعلم نيتك، فقبلها، فجعل الفرزدق يهجو هشاما وهو في الحبس، فكان مما هجاه به قوله: "أَيُحْبِسُنِي بَيْنَ المَدِينَةِ وَالَّتِي ** إِلَيْهَا قُلُوبُ النَّاسِ يَهْوِي مُنِيبُهَا *** يُقَلِّبُ رَأْسًا لَمْ يَكُنْ رَأْسَ سَيِّدٍ ** وَعَيْنًا لَهُ حَوْلَاءُ بَادَ عُيُوبُهَا" فأخبر هشام بذلك فأطلقه، وفي رواية أبي بكر العلاف أنه أخرجه إلى البصرة.
المصدر: موقع مؤسسة السبطين العالمية
تعليقك